تحدث العالم عن برج دبى الذى افتتحوه أول يناير، ليصبح أعلى بناء فى أرجاء الأرض، دون منافس.. فارتفاعه ٨٢٨ متراً، وعدد طوابقه ١٦٤ طابقاً، وتصل سرعة المصاعد فيه إلى ٤٠ كيلومتراً فى الساعة، وتستطيع أن تقطع المسافة من أول دور، لآخر دور، فى دقيقتين، ويضم حمام سباحة فى الدور ٧٦، وهو الأعلى بين حمامات السباحة فى الدنيا، ويضم أيضاً أعلى مكان للصلاة فى الدور ١٥٨، ولو أنك كنت فى الطابق ١٢٤، فسوف يكون فى إمكانك أن ترى ما حول البرج لمسافة ٨٠ كيلومتراً، وفى مقدورك أن ترى البرج نفسه، من مسافة ٩٥ كيلومتراً، وتكفى أعمدة الصلب المستخدمة فيه لتغطية ربع محيط الكرة الأرضية، ويكفى الأسمنت لإنشاء رصيف طوله ٢٠٦٥ كيلومتراً!!
ويبدو أن افتتاحه فى هذا الموعد، كان مقصوداً، لأن الأزمة المالية التى كانت قد ضربت دبى، قبل شهر تقريباً، قد تبددت فى جزء منها، فى يوم الافتتاح، وكان الدليل على ذلك أن مكاسب سوق المال فى دبى، مع مثيلتها فى أبوظبى، بلغت ما يقرب من ٢ مليار دولار، بمجرد الإعلان عن الافتتاح!
ورغم الديون الهائلة، التى كانت قد تراكمت على كبرى شركات إمارة دبى، وأدت إلى أزمتها المالية التى هزت العواصم فى حينها، فإن ذلك فيما يبدو، لم يؤثر بشىء، على عزيمة الشيخ محمد بن راشد، حاكم الإمارة، الذى جرى افتتاح البرج، فى ذكرى جلوسه على عرشها!
افتتاح برج من هذا النوع، أعاد الثقة إلى تلك الإمارة، التى هى واحدة من إمارات سبع فى دولة الإمارات العربية، وسوف يؤدى قطعاً، منذ الآن، وعلى مدى الفترة المقبلة، إلى شيوع أجواء من النهضة فى دبى، التى لا فيها بترول، ولا فيها غاز، ولا شىء من هذه الثروات الطبيعية، ولكنها استطاعت أن تتحول إلى لؤلؤة، فى وسط صحراء ممتدة بلا حدود، لأن القائمين على أمرها يعرفون كيف يديرون كل ما هو على أرضها!
ولابد أن مسيرة حاكمها، تعيد تذكيرنا بالخديو إسماعيل فى مصر، حين كان قد بدأ نهضة مماثلة فى مصر، مع كثير من وجوه الاختلاف طبعاً، بين إمارة هناك، وبين دولة هنا، وكان ذلك فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر!
وقتها كان الخديو يفتتح الأوبرا التى أحرقناها، ويفتتح قناة السويس التى تدر علينا ٥ مليارات دولار سنوياً، ويشق الترع فى أنحاء الجمهورية، وينشئ الجسور والقناطر والسدود التى لاتزال بيننا إلى هذه اللحظة، وكأنها قد نشأت صباح أمس، وإذا أنت مررت فوق كوبرى قصر النيل، فى أى وقت، فسوف تلاحظ أن اسم الخديو منقوش على أوله، من ناحية دار الأوبرا الجديدة، وسوف يكون عليك أن تتأمل الكوبرى، وأنت تعبره، لتكتشف أنه لايزال على نضارته الأولى، وكأن مهندسيه قد فرغوا منه، قبل ساعات، وسوف لا تصدق أن أكثر من ١٥٠ عاماً تقريباً، قد مرت على إنشائه ولايزال فى مكانه فوق النيل، شاهداً على نهضة واسعة، كان الخديو قد بدأها فى ذلك الوقت، فى كل اتجاه، على أرض هذا البلد!
وقتها، كانت التهمة التى تلاحق الخديو أنه قد أدى، بما فعله، إلى تراكم الديون على بلده، ثم تبين لنا فيما بعد، أن الديون قد ذهبت بشكل أو بآخر، وبقيت الأعمال أمام أعيننا، وهو ما سوف يحدث مع إمارة دبى وديونها، لأن روح إسماعيل تتجسد هناك!!
الجمعة يناير 08, 2010 2:01 pm
