أقف ساكنا بتعجب حينما أرى الطفل يداعبه أبيه و يرفعه نحو السماء وجلجلة ضحكاته تملأ المكان ولا يخشى السقوط على الأرض ، وأرى باندهاش كبير وقوف الشبل أمام أبيه الأسد ذا المخلب المرعب وهو يتلقى الضربة منه دون أن يخاف أن يقضى عليه ، وأرى باستغراب شديد ابن التمساح الصغير وهو لا يخشى فك أبويه وهو بجانبهما ولا يفر منهما ؟، تصرفات تستحق أن يقف عندها المرء ويتساءل أين الفزع عن أولئك ؟ وما هو السر باختفائه ؟ .
أعجبني خالد بن الوليد في معركة اليرموك ، حينما قيل له ما أكثر الروم وما أقل المسلمين ، فنهر من قال له ذلك بقوله : ( إنما بالخذلان تقل الرجال ) فذهبت مثلا بيّن فيها سر انتصاراته في المعارك .
إن جمال الإنسان أن يثق بنفسه , وأن يكف عنها الخذلان ، فهو أضعف من أن يرد القدر إذا أقبل ، فيمسك على ذلك إلى غير رجعة ، فإنه و كما للجسم دفاعات تخرج من عظامه ، فإن للنفس دفاعات نابعة من وجدانه ، تتبلور وتكوّن الثقة ، أول عتبة يصنعها الإنسان لنفسه ، وأول خطوة يخطوها لبداية مشوار طويل .
تستقر في النفس فنعم المقام ونعم المعتصم ، حينها يكون المرء ملكا لم يُملّك ، كمثل ذلك الطفل الذي لا تكاد الأرض أن تمسه ترفعه الأيادي في كل حين وتهفو إليه الأنفس بكل حب ، حاملا شجاعة الشبل صامدا أمام تقلبات الحياة وأهوالها وبطشها ، فينام كاطمئنان ابن التمساح مع أبويه ، قرير العين آمنا على نفسه مطمئنا عليها ، فإن صال أو جال ، فلا يملك إلا أن يكون مثل خالد بن الوليد كنتيجة حتمية لتلك المعادلة .
قال الله تعالى " مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري " .
لا نثق بأنفسنا حتى نثق بالله ، فإن كانت ثقتنا بأنفسنا هي نواة أخلاقنا ، فإن ثقتنا بالله هي نويّة النواة ، مصدر حياتنا وأملنا ونور نهتدي به .
ولله در ذلك الرجل الذي ذهب مع قومه إلى الصلاة من أجل الاستسقاء ، حينما ذهب معهم وهو يحمل مظلة واقية ضد المطر ثقة بالله منه وتوكلا عليه .
إنها الثقة بالله تدور حول فلكها كل أخلاقيات المرء وسلوكياته ، فتتناغم وتنسجم معا لتشكل منظوما وتركيبا خلقيا حقيقيا ينطق به اللسان بتوافق مع الأركان .