العكس تماماً.. يا سيادة الرئيس
بقلم سليمان جودة ١٩/ ١/ ٢٠١٠
قال الرئيس مبارك فى كفر الشيخ، أمس الأول، إن ملف الضريبة العقارية لم يحسم بعد، وإنه يفكر فى مراعاة أسلوب متدرج عند حساب نسبتها، ومدة تقديرها، وما كاد الرئيس ينطق بهذه العبارة، حتى هللت لها وسائل الإعلام، كما لم تهلل لشىء من قبل، وكأنه انتصار قد تحقق، مع أنه ليس انتصاراً من أى نوع!
وقد كان تصريح الرئيس سوف يصبح انتصاراً حقيقياً، لوأنه قال مثلاً إن الضريبة العقارية فى العالم كله، ضريبة أغنياء فى الأصل، وإننا سوف ننظر إليها على هذا الأساس، وسوف نبدأ بتطبيقها على الأغنياء، والأكثر ثراء، ثم الأقل ثراء، فالأقل، حتى يكتمل التطبيق فى النهاية، فيكون الذين بدأوا بدفعها هم القادرون وأصحاب المنتجعات قبل غيرهم!
هكذا كان المفترض، وهكذا كنا نتوقع، ولكن ما حدث أعطى انطباعاً لدى الناس، بأن فرحة وسائل الإعلام بما صدر عن الرئيس، لا تعود أبداً إلى أن تعديلاً جوهرياً قد جرى على نظام تطبيق الضريبة، بقدر ما تعود إلى النكاية فى الوزير يوسف بطرس!
ومع ذلك، فليس هذا هو الموضوع الأخطر، فى تصريحات الرئيس فهناك تصريح آخر قال فيه إن العامل والفلاح هما عماد البلد، وإنه لذلك يرفض إلغاء نسبة العمال والفلاحين فى المجالس النيابية!
وحين يقول الرئيس مثل هذا الكلام، ثم تسكت عنه وسائل الإعلام ذاتها، أوحتى تشير إليه إشارة عابرة لا تكاد تلفت نظر أحد، فمعنى هذا أننا لا ندرك خطورة ما قاله رئيس الدولة، ولا ندرك أن معنى هذا التصريح، أن يستمر تدمير السلطة التشريعية، ويستمر تفريغها من أى مضمون، ويستمر تحويلها إلى «خيال مآتة»، لا لشىء إلا لأن الدستور ينص على أن يكون أعضاء البرلمان، من العمال والفلاحين، وهى نسبة كانت قد تقررت فى مطلع الستينيات لأسباب سياسية مجردة، وكان الهدف الوحيد من ورائها، هوسيطرة الدولة على مجلس الشعب، وامتلاك الأغلبية فيه لتمرير ما تشاء فى الوقت الذى تحبه، لأن لديه الغالبية.. أما العامل، والفلاح، اللذان يقول عنهما الرئيس، إنهما عماد هذا البلد، فإن لهما الله وحده!
الرئيس يعلم جيداً، أنه لا علاقة مطلقاً، بين استمرار الأخذ بهذه النسبة فى تشكيل البرلمان، وبين أن تتحسن أحوال العامل أوالفلاح، ويعلم أن الذين يمثلون العامل والفلاح فى البرلمان ليسوا عمالاً ولا هم فلاحون ويعلم يقيناً أن العامل ومعه الفلاح، قد تعرضا ولايزالان يتعرضان لأكبر عملية خداع فى تاريخهما، باسم هذا النسبة، ويعلم أن هذه البدعة لا وجود لها فى برلمان أى بلد، فى أنحاء الأرض، ويعلم أن أغلب المحيطين به، إن لم يكونوا كلهم يريدون أن يصارحوه بحقيقة العواقب الوخيمة لاستمرار العمل بهذا النظام، ولكنهم كلما هيأوا أنفسهم لمصارحة الرئيس بما فى نفوسهم، فوجئوا به يرفض أى مساس بها، فى وقت التعديلات الدستورية الأخيرة،
ثم ينتهز فرصة زيارته إلى مركز بحوث زراعية فى كفر الشيخ ليجدد الرفض، وتكون النتيجة أن المحيطين به ممن يخالفونه الرأى فى هذه المسألة بالذات يسلمون أمرهم لله، ويسكتون وهم يرون بأعينهم أن المتاجرة السياسية بالنسبة إياها، قد أدت إلى أن يكون لدينا أسوأ عامل، وأسوأ فلاح!!
سيادة الرئيس.. نريد تعديل المادة ٧٦، ليكون أفضل المرشحين للرئاسة، هوالذى يخدم هذا الشعب فى قصر الرئاسة ونريد تعديل المادة ٧٧ لتجدد الدم فى القصر كل ١٢ عاماً، بمجىء رئيس جديد، ونريد إلغاء الـ٥٠٪ عمالاً وفلاحين، ليكون لدينا أفضل برلمان يراقب أعمال الحكومة، ونريد تعليماً حقيقياً ليكون لأولاد الفقراء مكان وسط الغيلان فى البلد.. فهل أنت يا سيادة الرئيس تقف ضد كل هذا وترفضه؟!
الثلاثاء يناير 19, 2010 11:39 pm
