مكر السحر
جلس أمامها وهو يلهث دقات قلبه تتسارع وقطار الوقت يصرعه أصوات مزعجة وأنين يصدره عقله يكاد أن يخنقه .. الظلام يحيط بالمكان ودخان البخور يحلق حوله ورهبه فضيعة سكنت جوفه .. أخذت عيناه تتفحص شكلها المخيف وثيابها الرثة ؛ مرعب هذا المكان بصوره وتماثيله المحنطة والمعلقة على الجدران ، تعويذاتها تعطي المكان هيبة لم يعهدها .. وكلماتها تنزل كالصاعقة على رأسه لتقسم جسده إلى نصفين ثم إلى ملايين الأجزاء هكذا كان يهيئ له .. تتراءى له صورة محبوبته بين الدخان وهي ترتدي ثوب الزفاف الأبيض .. عروس بأبهى حلتها ، جنة من الفردوس هي ، وفجأة تتحول إليها النار لتحرقها .. أحس بأنه يريد أن يصرخ ولكنه بلع صرخته بعد أن غص بها .. قالت له : إنك تحبها كثيرا ولكنها لن تكون لك أبدا .. سألها : إذا لماذا أنا أتيت إليك ؟ ؛ أجابته : ستندم .. ستتزوج من غيرها ؛ هي ليست نصيبك ؛ الطالع يقول ذلك .. لم يعجبه كلامها فصرخ في وجهها : أحبها ويجب أن تكون لي .. لو كنت مشعوذة ماهرة فبرهني ذلك .. أجابته بلهجة غاضبة : أنا لست مشعوذة ايها الغبي .. وليس لك أن تتحداني في هذا .. فالقدر هو القدر حتى السحر لا يقدر عليه بل إن السحر يدخل من ضمن القدر هل فهمت .. لم يعجبه كلامها حبه لها جعل كلام المشعوذة كالخنجر الذي يريد ذبحه .. سألها : وهل يمكنك عمل سحر مجدي لي ؟ ردت عليه : أستطيع ولكن لن يجدي ذلك معها فحبها له أقوى بكثير مما تعتقد سيفرق السحر بينهما ولكنها ستعود له .. رد متوسلا : عليها أن لا تعود له .. ردت قائلة بينهما حب .. والحب لن يموت.. لا أحد يقتل الحب ولكننا نستطيع أن نحول حياتهما لجحيم .صمتت قليلا ثم قالت .. ولكن المستقبل يقول لك إنك لن تتزوجها وستتزوج من امرأة أخرى .. هل أخبرك عنها .. قاطعها مستاءً : لا يهمني كلامك لا أصدقه كل ما أريد تصديقه هو تفريقها عنه .. قاطعته : ولكنها ثواني ويعقد قرانها عليه .. تراجع يا بني وإلا ستندم ، قاطعها : لن أندم على شئ ؛ أجابته : بلا ستشرب من نفس الكأس الذي تسقيهم إياه .. ستندم فتراجع .. كلمة الندم أحرقت عروقه وحولتها لرماد بعد أن بخرت دمه ماذا يبقى له لو رحلت وتزوجت من غيره لقد أحبها وأرادها زوجة له منذ أن كان طفلا صغيرا يلهوا معها في الحي ولكنها ما أن كبرت ونمى عودها حتى مالت عنه إليه واختارته ليكون شريك حياتها وتركته مهملا ؛ قاسية هي كالأيام ولكنه لم ولن ييأس، هي يجب أن تكون ملكه وإلا فما فائدة الحياة ما فائدة العيش دونها هذا مستحيل والندم هو في فقدانها وليس في تفريقها عن ذلك اللص ، وبعد فترة صمت دارت بينهما سألها : أين السحر هل انتهيتي من إعداده ؟ أجابته : نعم .. خذ هذا الماء وأسكبه على عتبة باب منزلهما قبل أن يدخلاه، لقد قرأت عليه
تعويذات لن تفشل وخذ هذا الكيس به رمال بيضاء خلطت ببعض الأدوية السحرية عليك أن ترش الرمال فوق الماء سوف يطفوا ويسبح فوق الماء فإذا مرا عليه كان لك ما أردت .. ولكن صدقني أنت ستشرب من نفس الكأس طالعك يقول ذلك … هو لم يبالي بكلماتها وأخذ السحر ومضى وهو يتمتم بدعواته وصلواته في تفريقهما .. أم المشعوذة فنظرة إليه نظرات شفقة وتمتمت : ستشرب من نفس الكأس وسترى ...
مرت عليه تلك الليلة كفجيعة الموت آلام سكرتها راودته أوهام كثيرة اعترته وأحزان لا قبل له بها سكنته .. صورتها لم تفارق مخيلته كان جمالها أروع بكثير مما كان يعتقد ، كانت سعيدة بثوبها الأبيض وبعقدها الماسي الذي أهداهُ لها ذلك اللص .. ابتسامتها لم تفارق محياها إلا للضحك .. خالجه شعور رهيب وهو يراها وقد أصبحت ملك غيره لم يتحمل رؤيتها تجلس بقرب عريسها ويده تضم يدها وأحس برغبة في الصراخ فأخذ يرقص بجنون يتمايل بعوده على أوتار الموسيقى ويغني بأعلى صوته علَّ تلك النيران التي غزت صدره أن تخمد ولكنها ثارت كالبركان لتطرد سيل الدموع خارج عينيه فأضطر الانسحاب من الحفل قبل أن يكتشف الناس دموعه التي خالطت مياه السحر ولم يعي لنفسه بعدها إلا وهو يرمي بنفسه على فراش النوم .. تخنقه العبرة وتسحقه أحاسيس الحزن والكآبة التي كانت أكبر من أن يتحمل همومها وآلامها فأحس بها كثقل الكون تدهسه وتدسه في أعماق الأرض حتى أوصلته للبها وتركته ينصهر هناك ..
مرت أشهر على زواجها منه وهو يراقب من بعيد مفعول مكر السحر الذي حول حياتهما لجحيم ، فالخلافات بينهما في اشتعال مستمر والكره بذره بدئت تنموا بينهما ولكنهما لم يتطلقا ، السحر لم يؤتي مفعوله ، هو لم يلجئ إليه إلا بعدما سدت في وجهه كل السبل والطرق .. ولأنه هو الذي رش السحر بعد أن قرأ عليه شعوذته الخاصة به لم يفقد الأمل الذي مازال يراوده في انفصالها عنه ، ولكن الأيام تمضي وتمر السنين وترزق بطفلتيهما، والطفلة تنموا أمامه وخلافهما ينموا معها والأمل لم يقطع طريقه في نفسه حتى جاءت اللحظة التي فاز بها مكر السحر على قوة الحب وطلقها .. طلقها بعد 4 سنين ، كان هذا الخبر بمثابة العيد وقمة الفرح له فتأهب لسعادته وقام يخطط لها وما أن حاول الاقتراب منها حتى علم بعودتها إليه بعد بضع أسابيع من انفصالها عنه .. كان كلام المشعوذة صحيح هي ليست له بل لذاك اللص الحقير الذي سرقها منه وظل يعذبها طيلة فترة زواجها منه ، إن عذابها يعني عذابه وأوجاعها تعني أوجاعه ورجوعها إليه هذه المرة تعني نهايته
نهايته التي أرقدته في المستشفى أشهر طويلة دون أن تسأل عنه .. وأحس بأنها لا تبالي له ولا تعلم بوجوده وآنا لها أن تعلم بوجوده وهي في أحضان من تحب حتى ولو عذبها .. لذا وأخيرا قرر بعد خمس سنوات نسيانها والاقتران بغيرها .. شعر إنه لا جدوى من الانتظار والعمر يمضي فسارع يبحث عن عمره الآتي ويتزوج كما نصحته المشعوذة فطلب من والدته أن تختار له عروس يشهد الجميع بجمالها وأناقتها وذوقها الرفيع ، فكان له ذلك وتزوج بامرأة أخرى تفوقها جمالا وحلاوة وأحس بعمق غبائه وهو يجلس بقرب عروسه ينتظر حضور محبوبته ولأول مرة تتجه أنظاره بعيدا عن طيفها نحو عروسه .
قرر أن يعيش حياته متناسيا الماضي ما أن يخطوا داخل عش الزوجية الذي كان يأمل أن يكون سعيدا لذا أخذ عروسه ودخل إلى المنزل دون أن يلاحظ المياه المسكوبة على عتبة الباب ولا الرمال البيضاء التي تطفوا فوقها .
الثلاثاء يونيو 16, 2009 7:02 pm
